تأليف: إدي إس.جلود جر
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
كان الوعد الكبير الذي قطعته أمريكا على نفسها بشأن إحقاق المساواة بين الأمريكيين فارغاً من معناه على ما يبدو، فالسود منهم لم يتلمسوا أية مبادرات فعلية، بل ازداد وضعهم سوءاً، بحسب العمل الذي بين يدينا. إذ مع قتل الشرطة الأمريكية للشباب السود، مؤخراً، يتضح أن «أمريكا السوداء» تواجه حالة طوارئ، رغم أن العديد اعتقد أن مشكلة العنصرية تجاه السود انتهت، حينما انتخب أول رئيس أمريكي أسود(باراك أوباما) في 2009.
يتناول الكاتب في عمله هذا الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً عند أصحاب البشرة السوداء، وكل ذلك يقدمه عبر سرد تاريخي، سيري، وبحثي، يشير فيه إلى أنه يعيش في بلد يقوم على أساس «فجوة القيمة» - أي أن حياة البيض تحظى بقيمة أكثر من حياة غيرهم - وهو ما يجده أمراً لا يزال يشوّه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الولايات المتحدة اليوم. ويتساءل الكاتب: لماذا تتواجد لدى جميع الأمريكيين عادات عنصرية تعزز عدم المساواة؟ ولماذا وصلت السياسة السوداء القائمة على حقبة الحقوق المدنية إلى طريق مسدود؟ لماذا إعادة تشكيل الديمقراطية من الألف إلى الياء فقط يمكن أن تحدث تغييراً حقيقياً؟
يحاول جلود أن يبلور موقف أمريكا السوداء الذي لا يمكن الدفاع عنه، ويقدم الأفكار التي يمكن أن تدفع بالأمور نحو الأفضل، وذلك من دون أن يتجنب الخوض في نقاشات موجعة ومزعجة في صراحتها، خاصة أنه يتوقف عند الجانب التاريخي من العنصرية في أمريكا. ويأتي الكتاب الصادر في 304 صفحات عن دار «برودواي بوكس» للنشر في طبعته الثانية عام 2017 باللغة الإنجليزية، مقسماً إلى 11 فصلاً: 1) ضباب الخيال الكثيف. 2) الكساد الأسود الكبير. 3) فجوة القيمة. 4) عادات عرقية. 5) الخوف الأبيض. 6) أرق بعد حلم الملك. 7)بين عالمين. 8) الرئيس أوباما والقادة السود. 9) ثورة القيمة. 10) إحياء الذكرى 11) ديمقراطية متشحة بالسواد.
أزمة مجتمعات السود
يشير الكاتب إلى أنه «لم تتغير الأمور كثيراً منذ 1967. فقوانين جيم كرو المتعلقة بالفصل العنصري لم تعد موجودة، وانتخبنا أول رئيس أسود، إلا أن القضية لا تزال قائمة، فكما قال الدكتور مارتن لوثر كينج إن فكرة المساواة العرقية تبقى «تعبيراً فضفاضاً عن التغيير نحو الأفضل». عندما فكّر في هذه الطريقة، انخفضت العدالة العرقية إلى مسألة مشروع خيري، وهي ممارسة يقوم فيها البيض ب «عمل الخير» أو «التصدّق» على السود. هذه ليست مساواة. ومواجهة هذه الحقيقة ستأخذنا إلى درب طويل نحو تحقيق العدالة الاجتماعية في هذه البلاد».
ويشير إلى أن هذا الكتاب يفصّل ما يسمّيه الكساد الأسود الكبير، ويظهر كيف أن خطاب التعافي الاقتصادي الحالي لا يشمل غالبية مجتمعات السود في البلاد، ومما يقوله تأكيداً على ما سبق: «وعلى نحو فوري، ستزيل مواجهة هذه الحقيقة الغشاوة عن أبصارنا، وسوف نرى أزمة العنصرية التي تبتلع أمريكا السوداء. فأزمة 2008 الاقتصادية دمّرت مجتمعات السود عبر الولايات المتحدة، إذ فقد الناس بيوتهم، ومدخراتهم الحياتية. ووجد الآلاف أنفسهم عاطلين عن العمل من دون أمل بإيجاد عمل آخر». ويجد أن مناقشته تتحدى الصمت المتفشي حول الأزمة في مجتمعات السود، ويقدم فكرة عن الديمقراطية الأمريكية المعطوبة، من خلال توصيف مكثف عن الحالة الراهنة لأمريكا السوداء. ويظهر كيف أن ما يسميه «فجوة القيمة» والعادات العنصرية تقوّي اللامساواة، كما يجد أن مخاوف البيض والسود تسدّ الطريق أمام العدالة العرقية في الولايات المتحدة.
سنوات قاسية في ظل أوباما
يشير إلى أن رئاسة أوباما لم تساعد على حل مشكلة العنصرية في الولايات المتحدة، بل أصبحت اللامساوة على نحو أسوأ، وعانى السود من خيبات كبيرة خلال سنواته الثماني على سدة الحكم. ويذكر أنه مع انتخاب الرئيس أوباما كان يعني بشكل افتراضي أن الولايات المتحدة وصلت إلى انعطافة إيجابية في مسألة التخلص من العنصرية تجاه السود، وعلى ذلك يعلق: «كنا نريد أن نصدق أننا تركنا خلفنا شيئاً سيئاً. لكننا رأينا واختبرنا الكثير من البشاعة على مدى السنوات الثماني الماضية. فكم عدد المرات التي شاهدنا فيها الآباء والأمهات السود في معاناة وكرب وهم يدفنون أطفالهم؟ كانوا يجلسون أمام الصحافة ويطالبون بالعدالة، فينضمون بذلك إلى آباء وأمهات آخرين تربطهم علاقة من الحزن والأسى. فموت ترايفون مارتن، ومايكل براون، وساندرا بلاند، والعديد غيرهم حطم أي وهم كان لدينا حول أمريكا ما بعد العنصرية العرقية. الناس من جميع أنحاء البلاد خرجوا إلى الشوارع. فيرجسون وبالتيمور أججتا إحباطاتنا. وهتافات «ارفع يديك، لا تطلق النار»، و«لا أستطيع التنفس»، و«حياة السود مهمة» جعلت العالم يعرف أن مسألة العنصرية العرقية لا تحظى بأهمية في البلاد. وفي الوقت نفسه، تجنب الجمهوريون المتعصبون الخوض في هذه المسألة، واكتفوا بتوجيه انتقادات للحكومة الكبيرة».
ويضيف: «في 2008، مرشح الجمهوريين للرئاسة الأمريكية ميت رومني أعلن أن 47 بالمئة من الأمريكيين الذين صوتوا لأوباما كانوا من «الآخذين» أي الذين يعتمدون على الحكومة، ويعتقدون أنهم ضحايا، ويجدون أنه من مسؤولية الحكومة أن تهتم بهم، وتمنحهم الرعاية الصحية التي يستحقونها، والمأكل، والمسكن. على الرغم من أنه لم يقل ذلك بشكل صريح، كان الجميع يعرف أن السود كانوا جزءاً من ال 47 بالمئة».
ويشير إلى أنه وراء الزيادة في العنصرية الصريحة، أصبح صوت العنصريين أعلى منذ انتخابات 2008، حيث فقد بعض البيض صوابهم، فأدى ذلك إلى معاناة السكان السود من العنصرية كثيراً في فترة أوباما. ويقول: «بقيت البطالة بين السود عالية، واستمرت الحجوزات العقارية، وفجوة الثروة بين السود والبيض أصبحت أوسع بكثير. وباتت العائلات الشابة تغرق في مستنقع الفقر على نحو أكثر من أي وقت مضى. وأصبحت الشرطة فيما يبدو في حالة من الاهتياج، إذ تقتل الشباب السود بنسب مرعبة. باختصار أصبحت مجتمعات السود مدمرة. وكانت مبادرة أوباما الأكثر إعلاناً في وجه كل هذا، حينما ضغطت عليه الحوادث العنصرية ليكون أكثر صراحة حول القضية، كانت«ماي براذرس كيبر»، وهي عبارة عن شراكة خاصة-عامة لمعالجة أزمة الشباب بسبب اللون، لكنها بمثابة إسعافات أولية لجرح بطلق ناري».
ويقول: «يذكرني أوباما برواية «رجل الثقة» للكاتب الأمريكي الراحل هيرمان ميلفيل (1819-1891)، حيث يريد بالضبط ما نريده وما نخافه، ويعدل نفسه وفقاً لذلك. وما اعتقده ميلفيل أن الناس أرادوه أكثر من أي شيء آخر هو الأمل، وهو إحساس بإمكانية تحقق الأشياء لأنفسهم وللعالم. أنا لست متأكداً إذا ما فهم ميلفيل عمق ذلك الادعاء بالنسبة للسود. بالنسبة لنا، الأمل دائماً ما يأتي مع جرعة كبيرة من الواقعية، خاصة في عالم يحكم عليك منذ ولادتك بسبب لونك».
مواجهة العادات العنصرية
وعن مسألة التخلص من «فجوة القيمة» يشير الكاتب إلى أن «صمتنا حيال المعاناة في أرجاء البلاد يتواطأ مع الظلم القائم. فالناس الذين عانوا من السياسات الخاطئة في الماضي، والسياسات الفاشلة في الوقت الحاضر يجدون من الصعوبة، إن لم يكن من الاستحالة، لفت الانتباه إلى معاناتهم عندما يكون الشرط المسبق للحياة المدنية الأمريكية هو أن أحداثاً معينة يمكن استعادة ذكراها، ويجب استعادتها بطرق معينة. علينا أن نتحدث عن العنصرية بطريقة نتخذ فيها من مارتن لوثر كينج نموذجاً نقتدي به في حث الناس على المحبة واللاعنف. وألا يكون مسموحاً الحديث عن تفوق البيض».
كما يضيف: «ما هو مطلوب، إذا ما أرادت أمريكا أن تصبح الدولة التي تأملها، هو تحول بالكامل في أفكارنا التي نحملها. وهذا يتضمن المواجهة، من دون خوف أو ألم، مع التأثير البشع لفجوة القيمة. يجب أن نروي لأنفسنا قصة مختلفة حول كيف دمّر هذا الاعتقاد حياة العديد من الأمريكيين، وكيف شوّه فكرتنا عن الديمقراطية. لم يعد بإمكاننا أن ننسى. مثل هذا النسيان يترك في مكانه العادات والأوهام التي تجعل فجوة القيمة قائمة، وتصادق على عمانا المتعمد إلى الدمار الذي سببه الكساد الأسود الكبير. ويقول إنه «علينا أن نفعل الأفضل. وهذا سوف يأخذ أبعاداً أكثر من النداءات السامية للفكرة الأمريكية. فالأوهام لن تنقذنا، ولا بد من تحطيمها. علينا أن نغير بشكل جوهري، وسوف يتطلب ذلك انتزاع العادات العنصرية التي تشكل شريان الحية لفجوة القيمة».
ويتحدث الكاتب كثيراً عن العادات العنصرية في الولايات المتحدة، والتي يجد ضرورة في التخلص منها، وعن ذلك يقول: «إن تغيير السياسات ومعالجة العنصرية البنيوية هي الخطوة الأولى في القضاء على عاداتنا العنصرية. علينا أن نستحضر كل أفكارنا عن السود إلى النقاش المفتوح. وعلينا أن نتخلص من تلك الروايات عن المعاناة السوداء التي تجعلنا على وفاق مع الحقيقة الحزينة التي عانى بسببها على الأرجح بعض الأمريكيين - السود منهم - من الفقر، ودرسوا في مدارس سيئة، ولم يجدوا العمل، وفقدوا منازلهم، وزج بهم في السجون، ودفنوا أطفالهم بأيديهم بسبب قتل الشرطة لهم. علينا أن نزيل أقنعتنا لنلفت الانتباه إلى الأفضلية التي يتمتع بها البيض. وذلك من شأنه أن يجعلنا نفهم بعضنا البعض على نحو أكثر بعض الشيء. وربما نردم هوة الانقسامات، كما يترتب علينا تعطيل كل الافتراضات والصور النمطية التي تمنع التعاطف والتعاون، وتضع البلاد في طريق وعر يعيق التطور والنماء.
على ما يبدو أننا لا نتحدث بشكل صريح عن العرق والعنصرية. ويبدو أن العديد من الناس يشعرون بالخوف اللعين من قول ذلك.
ويأمل الكاتب في الخاتمة أن يعمل الأمريكيون معاً على استئصال وباء العنصرية بينهم، من خلال تعزيز الأسس الديمقراطية وترسيخها في كافة مفاصل الحياة الأمريكية التي أصبحت تعاني خللاً كبيراً، وأن يتم الحث على المكاشفة والشفافية، لتمهيد الدرب أمام التخلص من الأفكار التي تؤجج الصراعات الداخلية، وتهمش شريحة عريضة من الأمريكيين.
نبذة عن الكاتب
إدي إس. جلود جر. من مواليد 1968. أستاذ في جامعة برينستون، يحاضر في قسم الدين وإدارة الدراسات الأمريكية الإفريقية. وهو رئيس مركز الدراسات الإفريقية-الأمريكية في الجامعة نفسها. تخرج عام 1989 من كلية مورهوس بالولايات المتحدة. وهو حاصل على درجة الماجستير في الدراسات الإفريقية الأمريكية من جامعة تيمبل، ودرجة الماجستير في الدين من جامعة برينستون. حصل على درجة الدكتوراه في الدين من جامعة برينستون، وهو عضو مؤسس وزميل أول في مشروع جامستون. كما أنه باحث بارز، بدأ مسيرته التعليمية في كلية بودوين، حيث شغل منصب رئيس قسم الدين.
وحصل على العديد من الجوائز على أبحاثه، وكان باحثاً زائراً في الدراسات الإفريقية الأمريكية في جامعة هارفارد وكلية أمهرست. له عدد من المؤلفات البحثية منها: «النزوح! الدين والعرق والأمة في أوائل القرن التاسع عشر في أمريكا السوداء»، «هل هو زمن الأمة؟ مقالات معاصرة عن السلطة السوداء والقومية السوداء»، و«في ظل الأزرق: البراجماتية وسياسة أمريكا السوداء». فاز بجائزة ويليام ساندرز سكاربورو من رابطة اللغة الحديثة. وهو معلق سياسي ومتحدث على شاشات التلفزة. ويساهم بكتاباته في عدد من الصحف والمجلات، وعلى نحو أكثر في «هافينجتون بوست» الإنجليزية.
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
كان الوعد الكبير الذي قطعته أمريكا على نفسها بشأن إحقاق المساواة بين الأمريكيين فارغاً من معناه على ما يبدو، فالسود منهم لم يتلمسوا أية مبادرات فعلية، بل ازداد وضعهم سوءاً، بحسب العمل الذي بين يدينا. إذ مع قتل الشرطة الأمريكية للشباب السود، مؤخراً، يتضح أن «أمريكا السوداء» تواجه حالة طوارئ، رغم أن العديد اعتقد أن مشكلة العنصرية تجاه السود انتهت، حينما انتخب أول رئيس أمريكي أسود(باراك أوباما) في 2009.
يتناول الكاتب في عمله هذا الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً عند أصحاب البشرة السوداء، وكل ذلك يقدمه عبر سرد تاريخي، سيري، وبحثي، يشير فيه إلى أنه يعيش في بلد يقوم على أساس «فجوة القيمة» - أي أن حياة البيض تحظى بقيمة أكثر من حياة غيرهم - وهو ما يجده أمراً لا يزال يشوّه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الولايات المتحدة اليوم. ويتساءل الكاتب: لماذا تتواجد لدى جميع الأمريكيين عادات عنصرية تعزز عدم المساواة؟ ولماذا وصلت السياسة السوداء القائمة على حقبة الحقوق المدنية إلى طريق مسدود؟ لماذا إعادة تشكيل الديمقراطية من الألف إلى الياء فقط يمكن أن تحدث تغييراً حقيقياً؟
يحاول جلود أن يبلور موقف أمريكا السوداء الذي لا يمكن الدفاع عنه، ويقدم الأفكار التي يمكن أن تدفع بالأمور نحو الأفضل، وذلك من دون أن يتجنب الخوض في نقاشات موجعة ومزعجة في صراحتها، خاصة أنه يتوقف عند الجانب التاريخي من العنصرية في أمريكا. ويأتي الكتاب الصادر في 304 صفحات عن دار «برودواي بوكس» للنشر في طبعته الثانية عام 2017 باللغة الإنجليزية، مقسماً إلى 11 فصلاً: 1) ضباب الخيال الكثيف. 2) الكساد الأسود الكبير. 3) فجوة القيمة. 4) عادات عرقية. 5) الخوف الأبيض. 6) أرق بعد حلم الملك. 7)بين عالمين. 8) الرئيس أوباما والقادة السود. 9) ثورة القيمة. 10) إحياء الذكرى 11) ديمقراطية متشحة بالسواد.
أزمة مجتمعات السود
يشير الكاتب إلى أنه «لم تتغير الأمور كثيراً منذ 1967. فقوانين جيم كرو المتعلقة بالفصل العنصري لم تعد موجودة، وانتخبنا أول رئيس أسود، إلا أن القضية لا تزال قائمة، فكما قال الدكتور مارتن لوثر كينج إن فكرة المساواة العرقية تبقى «تعبيراً فضفاضاً عن التغيير نحو الأفضل». عندما فكّر في هذه الطريقة، انخفضت العدالة العرقية إلى مسألة مشروع خيري، وهي ممارسة يقوم فيها البيض ب «عمل الخير» أو «التصدّق» على السود. هذه ليست مساواة. ومواجهة هذه الحقيقة ستأخذنا إلى درب طويل نحو تحقيق العدالة الاجتماعية في هذه البلاد».
ويشير إلى أن هذا الكتاب يفصّل ما يسمّيه الكساد الأسود الكبير، ويظهر كيف أن خطاب التعافي الاقتصادي الحالي لا يشمل غالبية مجتمعات السود في البلاد، ومما يقوله تأكيداً على ما سبق: «وعلى نحو فوري، ستزيل مواجهة هذه الحقيقة الغشاوة عن أبصارنا، وسوف نرى أزمة العنصرية التي تبتلع أمريكا السوداء. فأزمة 2008 الاقتصادية دمّرت مجتمعات السود عبر الولايات المتحدة، إذ فقد الناس بيوتهم، ومدخراتهم الحياتية. ووجد الآلاف أنفسهم عاطلين عن العمل من دون أمل بإيجاد عمل آخر». ويجد أن مناقشته تتحدى الصمت المتفشي حول الأزمة في مجتمعات السود، ويقدم فكرة عن الديمقراطية الأمريكية المعطوبة، من خلال توصيف مكثف عن الحالة الراهنة لأمريكا السوداء. ويظهر كيف أن ما يسميه «فجوة القيمة» والعادات العنصرية تقوّي اللامساواة، كما يجد أن مخاوف البيض والسود تسدّ الطريق أمام العدالة العرقية في الولايات المتحدة.
سنوات قاسية في ظل أوباما
يشير إلى أن رئاسة أوباما لم تساعد على حل مشكلة العنصرية في الولايات المتحدة، بل أصبحت اللامساوة على نحو أسوأ، وعانى السود من خيبات كبيرة خلال سنواته الثماني على سدة الحكم. ويذكر أنه مع انتخاب الرئيس أوباما كان يعني بشكل افتراضي أن الولايات المتحدة وصلت إلى انعطافة إيجابية في مسألة التخلص من العنصرية تجاه السود، وعلى ذلك يعلق: «كنا نريد أن نصدق أننا تركنا خلفنا شيئاً سيئاً. لكننا رأينا واختبرنا الكثير من البشاعة على مدى السنوات الثماني الماضية. فكم عدد المرات التي شاهدنا فيها الآباء والأمهات السود في معاناة وكرب وهم يدفنون أطفالهم؟ كانوا يجلسون أمام الصحافة ويطالبون بالعدالة، فينضمون بذلك إلى آباء وأمهات آخرين تربطهم علاقة من الحزن والأسى. فموت ترايفون مارتن، ومايكل براون، وساندرا بلاند، والعديد غيرهم حطم أي وهم كان لدينا حول أمريكا ما بعد العنصرية العرقية. الناس من جميع أنحاء البلاد خرجوا إلى الشوارع. فيرجسون وبالتيمور أججتا إحباطاتنا. وهتافات «ارفع يديك، لا تطلق النار»، و«لا أستطيع التنفس»، و«حياة السود مهمة» جعلت العالم يعرف أن مسألة العنصرية العرقية لا تحظى بأهمية في البلاد. وفي الوقت نفسه، تجنب الجمهوريون المتعصبون الخوض في هذه المسألة، واكتفوا بتوجيه انتقادات للحكومة الكبيرة».
ويضيف: «في 2008، مرشح الجمهوريين للرئاسة الأمريكية ميت رومني أعلن أن 47 بالمئة من الأمريكيين الذين صوتوا لأوباما كانوا من «الآخذين» أي الذين يعتمدون على الحكومة، ويعتقدون أنهم ضحايا، ويجدون أنه من مسؤولية الحكومة أن تهتم بهم، وتمنحهم الرعاية الصحية التي يستحقونها، والمأكل، والمسكن. على الرغم من أنه لم يقل ذلك بشكل صريح، كان الجميع يعرف أن السود كانوا جزءاً من ال 47 بالمئة».
ويشير إلى أنه وراء الزيادة في العنصرية الصريحة، أصبح صوت العنصريين أعلى منذ انتخابات 2008، حيث فقد بعض البيض صوابهم، فأدى ذلك إلى معاناة السكان السود من العنصرية كثيراً في فترة أوباما. ويقول: «بقيت البطالة بين السود عالية، واستمرت الحجوزات العقارية، وفجوة الثروة بين السود والبيض أصبحت أوسع بكثير. وباتت العائلات الشابة تغرق في مستنقع الفقر على نحو أكثر من أي وقت مضى. وأصبحت الشرطة فيما يبدو في حالة من الاهتياج، إذ تقتل الشباب السود بنسب مرعبة. باختصار أصبحت مجتمعات السود مدمرة. وكانت مبادرة أوباما الأكثر إعلاناً في وجه كل هذا، حينما ضغطت عليه الحوادث العنصرية ليكون أكثر صراحة حول القضية، كانت«ماي براذرس كيبر»، وهي عبارة عن شراكة خاصة-عامة لمعالجة أزمة الشباب بسبب اللون، لكنها بمثابة إسعافات أولية لجرح بطلق ناري».
ويقول: «يذكرني أوباما برواية «رجل الثقة» للكاتب الأمريكي الراحل هيرمان ميلفيل (1819-1891)، حيث يريد بالضبط ما نريده وما نخافه، ويعدل نفسه وفقاً لذلك. وما اعتقده ميلفيل أن الناس أرادوه أكثر من أي شيء آخر هو الأمل، وهو إحساس بإمكانية تحقق الأشياء لأنفسهم وللعالم. أنا لست متأكداً إذا ما فهم ميلفيل عمق ذلك الادعاء بالنسبة للسود. بالنسبة لنا، الأمل دائماً ما يأتي مع جرعة كبيرة من الواقعية، خاصة في عالم يحكم عليك منذ ولادتك بسبب لونك».
مواجهة العادات العنصرية
وعن مسألة التخلص من «فجوة القيمة» يشير الكاتب إلى أن «صمتنا حيال المعاناة في أرجاء البلاد يتواطأ مع الظلم القائم. فالناس الذين عانوا من السياسات الخاطئة في الماضي، والسياسات الفاشلة في الوقت الحاضر يجدون من الصعوبة، إن لم يكن من الاستحالة، لفت الانتباه إلى معاناتهم عندما يكون الشرط المسبق للحياة المدنية الأمريكية هو أن أحداثاً معينة يمكن استعادة ذكراها، ويجب استعادتها بطرق معينة. علينا أن نتحدث عن العنصرية بطريقة نتخذ فيها من مارتن لوثر كينج نموذجاً نقتدي به في حث الناس على المحبة واللاعنف. وألا يكون مسموحاً الحديث عن تفوق البيض».
كما يضيف: «ما هو مطلوب، إذا ما أرادت أمريكا أن تصبح الدولة التي تأملها، هو تحول بالكامل في أفكارنا التي نحملها. وهذا يتضمن المواجهة، من دون خوف أو ألم، مع التأثير البشع لفجوة القيمة. يجب أن نروي لأنفسنا قصة مختلفة حول كيف دمّر هذا الاعتقاد حياة العديد من الأمريكيين، وكيف شوّه فكرتنا عن الديمقراطية. لم يعد بإمكاننا أن ننسى. مثل هذا النسيان يترك في مكانه العادات والأوهام التي تجعل فجوة القيمة قائمة، وتصادق على عمانا المتعمد إلى الدمار الذي سببه الكساد الأسود الكبير. ويقول إنه «علينا أن نفعل الأفضل. وهذا سوف يأخذ أبعاداً أكثر من النداءات السامية للفكرة الأمريكية. فالأوهام لن تنقذنا، ولا بد من تحطيمها. علينا أن نغير بشكل جوهري، وسوف يتطلب ذلك انتزاع العادات العنصرية التي تشكل شريان الحية لفجوة القيمة».
ويتحدث الكاتب كثيراً عن العادات العنصرية في الولايات المتحدة، والتي يجد ضرورة في التخلص منها، وعن ذلك يقول: «إن تغيير السياسات ومعالجة العنصرية البنيوية هي الخطوة الأولى في القضاء على عاداتنا العنصرية. علينا أن نستحضر كل أفكارنا عن السود إلى النقاش المفتوح. وعلينا أن نتخلص من تلك الروايات عن المعاناة السوداء التي تجعلنا على وفاق مع الحقيقة الحزينة التي عانى بسببها على الأرجح بعض الأمريكيين - السود منهم - من الفقر، ودرسوا في مدارس سيئة، ولم يجدوا العمل، وفقدوا منازلهم، وزج بهم في السجون، ودفنوا أطفالهم بأيديهم بسبب قتل الشرطة لهم. علينا أن نزيل أقنعتنا لنلفت الانتباه إلى الأفضلية التي يتمتع بها البيض. وذلك من شأنه أن يجعلنا نفهم بعضنا البعض على نحو أكثر بعض الشيء. وربما نردم هوة الانقسامات، كما يترتب علينا تعطيل كل الافتراضات والصور النمطية التي تمنع التعاطف والتعاون، وتضع البلاد في طريق وعر يعيق التطور والنماء.
على ما يبدو أننا لا نتحدث بشكل صريح عن العرق والعنصرية. ويبدو أن العديد من الناس يشعرون بالخوف اللعين من قول ذلك.
ويأمل الكاتب في الخاتمة أن يعمل الأمريكيون معاً على استئصال وباء العنصرية بينهم، من خلال تعزيز الأسس الديمقراطية وترسيخها في كافة مفاصل الحياة الأمريكية التي أصبحت تعاني خللاً كبيراً، وأن يتم الحث على المكاشفة والشفافية، لتمهيد الدرب أمام التخلص من الأفكار التي تؤجج الصراعات الداخلية، وتهمش شريحة عريضة من الأمريكيين.
نبذة عن الكاتب
إدي إس. جلود جر. من مواليد 1968. أستاذ في جامعة برينستون، يحاضر في قسم الدين وإدارة الدراسات الأمريكية الإفريقية. وهو رئيس مركز الدراسات الإفريقية-الأمريكية في الجامعة نفسها. تخرج عام 1989 من كلية مورهوس بالولايات المتحدة. وهو حاصل على درجة الماجستير في الدراسات الإفريقية الأمريكية من جامعة تيمبل، ودرجة الماجستير في الدين من جامعة برينستون. حصل على درجة الدكتوراه في الدين من جامعة برينستون، وهو عضو مؤسس وزميل أول في مشروع جامستون. كما أنه باحث بارز، بدأ مسيرته التعليمية في كلية بودوين، حيث شغل منصب رئيس قسم الدين.
وحصل على العديد من الجوائز على أبحاثه، وكان باحثاً زائراً في الدراسات الإفريقية الأمريكية في جامعة هارفارد وكلية أمهرست. له عدد من المؤلفات البحثية منها: «النزوح! الدين والعرق والأمة في أوائل القرن التاسع عشر في أمريكا السوداء»، «هل هو زمن الأمة؟ مقالات معاصرة عن السلطة السوداء والقومية السوداء»، و«في ظل الأزرق: البراجماتية وسياسة أمريكا السوداء». فاز بجائزة ويليام ساندرز سكاربورو من رابطة اللغة الحديثة. وهو معلق سياسي ومتحدث على شاشات التلفزة. ويساهم بكتاباته في عدد من الصحف والمجلات، وعلى نحو أكثر في «هافينجتون بوست» الإنجليزية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق